الجمعة، 29 يوليو 2011

احتياج أم اجتياح!



احتياجي لك كاحتياجِ واحةٍ غنّاء أضحت قاحلةً موحشةً، فأشجارُها قد ذبلتْ، وطيورُها قد هاجرتْ، وأرضُها قد أجدبتْ، ومياهُها قد جفتْ، هي ترتجي قطراتٍ من غيومِ لقائِك، ورذاذاً من ندى نظراتِك.

أحتاج إليك لأن تنهيدةً تمرّدتْ في أعماق صدري، ودمعةً جَفَلتْ في محجرِ عيناي، وابتسامةً بَهتتْ في أطرافِ شفتاي، لأن مشاعري أصبحتْ مشدوهةً من مساحاتِ شرودي الواسعة، مندهشةً من قسماتِ وجهي الواهنة.
احتياجي لك كطفلٍ ضائعٍ يبحثُ عن والديه، يتفقدُ الوجوهَ، ويراقبُ الخطواتِ، لعلهُ يجِدَهُما بينَ الجموع، فيرجعُ نظرُه إليه وهو كسير، ثم يعاودُ النظرَ مرةً أخرى فشحناتُ التمني تطغى على خمولِ اليأس، وانعدامُ خياراتِه الأخرى تجعلُه ينتظرُ بصيصاً منْ أمل.

احتياجي لك كطيرٍ ينوحُ على شجرةِ الصبر، فتتساقطُ أوراقُها معلنةً خريفَ أيامِه، فتجفلُ دموعُه في مقلتيه، وترتعشُ أمنياتُه من بردِ واقعِه، حتى الغصنُ الذي يقفُ عليه صارَ واهياً يكادُ أنْ ينكسرْ، والعشُّ الذي يحتويه أصبح مهتزاً وهو في مهبِّ الريح.

احتياجي لك هو اجتياحٌ لسكوني، وتحدٍّ لصمودي، واختبارٌ لقدراتي، هو أمواجٌ تهدر، ورياحٌ تدوي، وذئابٌ تعوي، فعندما يجتاحُني ذلك الاحتياج، يفقدني توازنَ عقلِي وعاطفتِي، ويزعزعُ تفاؤلي وإيجابيةَ تفكيرِي، فتتأرجحُ مشاعري بين الرجاءِ والخوف، وأحاسيسي بين الألمِ والأمل.

احتياجي لك يقلِّبُ أوراقَ قلبي لعله يقفُ عندَ صفحةٍ تُسْكِتُ أنينَ اشتياقي، وتكفكفُ دموعَ وجداني، وتواسي أحزانَ فراقِك، ففؤادي قد تسربلَ بحنينِ ذكرياتِك، وتضوّعَ من هيجانِ خيالاتِك.

هل رأيتِ شاعراً أظلمَ ليلُه واختفى قمرُه وطالَ انتظارُ فجره، كيف يكونُ محتاجاً إلى نورٍ يبددُ سوادَ لحظاتِه، وإلى فجرٍ سعيدٍ يبدأُ به أولى خطواتِه، وإلى طاقةٍ تحركُ جمودَ كلماتِه.

احتياجي لك يتسللُ إلى خفايا روحِي، وزوايا وجدانِي، فيكشفُ أشواقي المخبئَة، وينثرُ أوراقي المندثرة، وهو في ذاك ينتزعُ اعترافاً مني بصدقِ كلماتي، وديمومةِ حبي.

أحتاجُ إليك لأن فقدُكِ لا يشبهُه فقدٌ، وبعدُكِ لا يماثلُه بعدٌ، وشوقُك لا يعادله شوقٌ، فمتى تعودين؟

29 يوليو 2011

ليست هناك تعليقات: