الجمعة، 30 نوفمبر 2018

بدايات التعليم في الشرقية


بدايات التعليم في الشرقية
من الكتاتيب إلى التعليم الحكومي

م. يوسف الملا
(مقال تم نشره في صحيفة اليوم يوم الجمعة 16 رمضان 1439هـ، 1 يونيو 2018، وأضيفت صور أكثر)

مسايرة لنهضة التعليم في العهد السعودي الزاهر، حققت الحركة التعليمية في المنطقة الشرقية منذ بداياتها قفزات هائلة في زمن قصير، متميزة بالجهود الكبيرة التي بذلها رجال التعليم المخلصون تحت قيادة حكومتنا الرشيدة، ومدعومة بتشجيع الأهالي وحرصهم على تعليم أبنائهم وبناتهم، ولا ننسى مساهمة شركة أرامكو في بناء المدارس ودعم التعليم.

مدرسة الجبل أول مدرسة بالظهران في الخمسينيات الميلادية، حيث كان الطلاب يتعلمون الإنجليزية تمهيدا لإلتحاقهم بشركة ارامكو 

التعليم أولوية

حظي التعليم باهتمام المؤسس الملك عبدالعزيز منذ نشأة الدولة الفتية، لإدراكه أن من أهم ركائز التطوّر الحضاري هو بناء المواطن الصالح الملمّ بأمور دينه ودنياه، وسار أبناؤه الملوك على خطاه.

مديرية المعارف

تأسيس مديرية المعارف العامة في عام 1344هـ كان بمثابة إرساء حجر الأساس لنظام التعليم الحكومي في المملكة، وهو ثمرة أول اجتماع للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مع العلماء والمهتمين بالتعليم بعد دخوله مكة المكرمة.

أوكل إلى المديرية الإشراف على التعليم على مختلف مراحله ومتابعة تطوراته ووضع سياساته، والذي تحقق بفضل من الله إذ لم يمضِ وقت قصير حتى كانت شبكة المدارس تعمّ جميع أنحاء البلاد وتنتظم جميع مراحل التعليم وفروعه، وحازت المنطقة الشرقية على نصيبها من ذلك الإنجاز، وفي عام 1373هـ، أنشئت وزارة المعارف وكانت امتدادًا وتطويرًا لمديرية المعارف، وكان الملك فهد رحمه الله أول وزير لها، وهو الذي قاد مسيرة التعليم إلى آفاق أوسع ونحو إنجازات أعظم.



التعليم التقليدي

تعتبر الكتاتيب أولى مراحل التعلّم، وكانت تُعنى بتعليم البنين والبنات من سن السادسة تقريبًا قراءة القرآن الكريم وحفظه، والقراءة والكتابة، والحساب، ومبادئ العلوم اللغوية والشرعية، وعادة ما يكون مقر الكتّاب في منزل المعلم، والذي يطلق عليه (الملا) أو (المطوع) أو منزل المعلمة والتي يطلق عليها (المطوعة)، ولعل كثرة الكتاتيب في المنطقة الشرقية من المؤشرات 
على مدى نشاط الحركة التعليمية في فترة ما قبل النفط.

إضافة للكتاتيب، شكّلت حلقات التعليم في المساجد مصدرًا آخر للتعلّم، حيث كان المسجد مكانًا للتعليم والوعظ والإرشاد، وكذلك انتشرت مدارس دينية وقفية.



المدارس الأهلية

قبل تأسيس التعليم الحكومي، انطلقت حركة التعليم الأهلي تلبية لرغبة العلماء والأهالي وحاجة البلاد إلى وجود مدارس منظمة، ويمكن اعتبار مدرسة النجاح الأهلية بالأحساء نموذجًا رائعًا، حيث قام بتأسيسها الشيخ حمد بن محمد النعيم في عام 1343هـ بدعم من أسرة القصيبي، وأدخلت فيها مواد دراسية جديدة كعلوم اللغة العربية والعلوم الدينية والرياضيات ومسك الدفاتر وبعض ما تتطلبه الحياة المعاصرة، وتم توزيع الطلاب إلى فصول دراسية حسب مستوياتهم العلمية، وهذا ما لم يكن معمولًا به في المدارس الدينية والكتاتيب.

ولقد تشرفت المدرسة بزيارة الملك عبدالعزيز رحمه الله لها ولقد أعجب بمستوى الطلاب وطريقة التدريس وسلّم بعض الجوائز للمتميزين.

مدرسة في الأحساء

أول مدارس حكومية

في عام 1355هـ/ 1936هـ، صدرت التوجيهات الحكومية بفتح ست مدارس حكومية في مقاطعة الأحساء (المنطقة الشرقية) في الهفوف، والمبرز، والقطيف، والجبيل، والدمام، والخبر، وبناء عليها، أعيد في عام 1356هـ افتتاح أول مدرسة ابتدائية للبنين، وهي مدرسة الهفوف الأولى (المدرسة الأميرية)، وكذلك أنشئت مدرسة الدمام الأولى في نفس العام، ثم افتتحت مدرسة الجبيل في عام 1957هـ، كما تم افتتاح مدرسة المبرز الأولى عام 1958م، وبعد مرور ثلاثة أعوام، أي في عام 1361هـ، تم بناء مدرسة الخبر الابتدائية الأولى، ويظهر أنها كانت موجودة قبل ذلك كمدرسة أولية تأسست عام 1359هـ حسب ما نشر في صحيفة صوت الحجاز. 

أما في القطيف فقد افتتحت المدرسة الحكومية الأولى في عام 1357هـ، لكن الإقبال عليها كان ضعيفًا، فأغلقت المدرسة بعد سنتين تقريبا، ولم يعاد فتحها إلا في عام 1367هـ.
كانت هذه هي البدايات، لكن ما لبث أن انتشر التعليم النظامي بصورة واسعة في أغلب مدن وقرى المنطقة الشرقية.

لحظة خروج طلاب المدرسة الأميرية بالهفوف عام 1949م

مشاكل ومعوقات

لم يكن انضمام الطلاب إلى المدارس وانضباطهم في الدراسة، أمرًا سهلًا في البدايات، فالكثير من الأسر الفقيرة كانت تعتمد على أبنائها في العمل لتوفير لقمة العيش، إضافة إلى اعتراض بعض الناس على عدد من المناهج الحديثة، لذا تطلب إقناعهم بأهمية التعليم جهودًا كبيرة بذلتها الحكومة ورجال التعليم المخلصون.

مدرسة الأحساء الأميرية
قامت مديرية المعارف بفتح المدرسة الأميرية بالهفوف، وهي أول مدرسة حكومية بالإحساء عام 1350هـ، وعيّن فيها معلمان من سوريا هما الشيخ عبد الجليل الأزهري، والشيخ راغب القباني، لكنها لم تستمر إلا بضعة شهور، بسبب خطبة صلاة الجمعة التي تكلم فيها الشيخ القباني عن الأمية المتفشية بين الشباب، مما أثار حفيظة الكثير من العلماء الذين اعتبروها انتقاصا من جهودهم التعليمية، إضافة إلى اعتراضهم على بعض المناهج الحديثة، فقاوم الأهالي المدرسة والمدرسين بتأييد من العلماء والمشايخ.

وفي عام 1356هـ، أعيد افتتاح المدرسة الأميرية بعد تعيين الشيخ محمد علي النحاس مديرًا لها، ولقد نجح في مهمته بأن تفادى أخطاء من سبقوه، فاستطاع نيل ثقة علماء الأحساء، وكتب على نفسه تعهدًا بأن لا تُدرّس أية مناهج إلا بموافقتهم، واستشارهم في اختيار المعلمين، وبذلك أشركهم في المسؤولية، فأقبل الطلاب على المدرسة بعد أن عرف الأهالي رأي العلماء فيها، وهي تعتبر أول مدرسة حكومية سعودية في المنطقة الشرقية.



من الابتدائي إلى الثانوي

في بداية الستينيات الهجرية لم تُفتح فصول للسادس ابتدائي في الكثير من مدارس الشرقية، مما دفع الطلاب إلى السفر إلى الأحساء والإقامة في سكن داخلي من أجل إكمال دراستهم في مدرسة الهفوف الأولى (الأميرية)، وجدير بالذكر أن شهادة المرحلة الابتدائية كانت مؤهلة للعمل بوظيفة معلم في إحدى المدارس الابتدائية.

بعد إتمام المرحلة الابتدائية ينتقل الطالب إلى المرحلة الثانوية، فالمرحلة المتوسطة كانت مدمجة مع المرحلة الثانوية إلى عام 1377هـ، وفي عام 1378هـ ظهرت كمرحلة مستقلة، واشتهرت مدرسة الهفوف أنها من أوائل المدارس في الشرقية التي فتحت فصلًا للمرحلة الثانوية عام 1367هـ.

المدرسة الأولى بالدمام عام 1956م

تسمية المدارس

يبدو أن إطلاق اسم (المدرسة الأميرية) على المدارس الحكومية كان معمولًا به لفترة من الزمن، لذا ورد اسم مدرسة الدمام الأميرية ومدرسة الجبيل الأميرية في عدد من الوثائق.
وبصورة عامة، استبدلت أسماء كثير من المدارس، فمثلًا في مدارس البنين؛ تغيّر اسم مدرسة الدمام الأولى إلى مدرسة سعد بن أبي وقاص، وتغير اسم مدرسة الدمام الثانية إلى مدرسة القادسية، أما بالنسبة لمدارس البنات فتغيّر اسم مدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية في الخبر إلى المدرسة الابتدائية الرابعة.



مدارس كاسوك (أرامكو)

شرعت شركة كاسوك في عام 1359هـ/ 1940م تعليم موظفيها أساسيات القراءة والكتابة، فافتتحت أولى مدارسها في الخبر، في حجرة مستأجرة من منزل حجي بن جاسم، وافتتحت المدرسة الثانية في حي سكن العمال السعوديين بالظهران والتي عرفت بـ (مدرسة الحي السعودي)، وكانت الدراسة مسائية ومتاحة للموظفين وغير الموظفين، وقد فتحت الشركة في العامين التاليين مدارس مماثلة في رأس تنورة، وبقيق، والعزيزية.



في عام 1363هـ/ 1944م أي في العام الذي أخذت فيه الشركة اسمها: (أرامكو)، افتتحت (مدرسة الجبل) في الظهران، وكانت الدراسة أربع ساعات فقط، وبالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، ألحق بها تدريس اللغة العربية قراءةً وكتابة، والمواد الدينية فيما بعد، والرياضيات، كما قدمت مقررات في التاريخ وقواعد اللغة العربية، وقد استمرت إلى أوائل الخمسينيات الميلادية، حينما صدر التوجيه الحكومي بإغلاقها.




برنامج محو الأمية

بدأت حكومة المملكة حملة مكافحة الأمية في 1372هـ/ 1953م، فقررت شركة أرامكو، بتوجيه من ولي العهد الأمير سعود، بأن تفتح فصول مكافحة الأمية لموظفيها الأميين في كل مكان يوجد فيه ثلاثون موظفًا فأكثر، وأن تتبع مناهج مديرية المعارف العامة التي ستتولى الإشراف على تنفيذ البرنامج ومنح شهادات للناجحين، أما أرامكو فتقوم بتقديم مكافآت مالية للناجحين.


مدرسة محو الأمية بالظهران عام 1953

مساهمة أرامكو في بناء المدارس

يمثل بناء أرامكو للمدارس في المنطقة الشرقية حدثًا حاضرًا على الدوام في ذاكرة أبناء المنطقة، فقد كانت هذه المدراس متميزة في بنائها وتأثيثها وصيانتها، كما أنها فتحت لأبناء موظفي أرامكو وغيرهم، فكان لهذا الأمر أثره العميق على مجتمع المنطقة.

بعد مفاوضات طويلة بين الشركة ومديرية المعارف بدأت عام 1952م وبعد توجيهات من ولي العهد الأمير سعود، وافقت شركة أرامكو في يناير 1953م على قيامها ببناء مدارس كافية لاستيعاب أبناء موظفيها السعوديين، في مناطق عملها وخارجها من المنطقة الشرقية التي يقيم فيها أبناء الموظفين، وصيانة تلك المدارس، مع تقديمها رواتب المعلمين.

وكانت أول مدرسة ابتدائية بنتها أرامكو للبنين هي مدرسة الدمام الثانية التي سلمتها للحكومة عام 1954م، وتلتها مدرسة الخبر الثانية، وفي العام التالي أكملت الشركة بناء مدارس في كل من الهفوف، والمبرز، وسيهات، ورحيمة، وفي عام 1956م أكملت أرامكو بناء مدرستين في الدمام والثقبة، كما سلمت الشركة مدرسة صفوى عام 1958م، وبعدها مدرسة بقيق، ومدرسة أخرى في الهفوف.

الملك سعود رحمه الله يفتتح أول مدرسة ابتدائية تبنيها أرامكو - الدمام 1954م

في عام 1961م، افتتحت مدرسة الدمام المتوسطة، وفي العام التالي، أكملت الشركة بناء أربع مدارس متوسطة.

أما بالنسبة لمدارس البنات الابتدائية، فقد سلمت أرامكو أول مدرستين في عام 1964م، وكانتا مدرسة الخبر (مدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية)، ومدرسة رحيمة الابتدائية.
واستمرت أرامكو في بناء المدارس حتى صدر قرار بإيقاف بناء المدارس والاكتفاء بصيانتها.

إحدى مدارس البنات التي بنتها أرامكو، 1964م

مدرسة بقيق التي بنتها أرامكو، 1959م

الشيخ عبدالعزيز التركي

لا يمكن الحديث عن التعليم في الشرقية دون ذكر الشيخ عبدالعزيز التركي، معتمد مديرية المعارف وأول مدير لإدارة التعليم بالمنطقة الشرقية، الذي استطاع بحماسه ونشاطه وحبه للتعليم، من تحقيق إنجازات كبيرة في تشييد المدارس والإقبال على التعليم، كما أنه قد تمكّن من احتجاز أراضٍ كثيرة وكبيرة لوزارة المعارف، تم الاستفادة منها فيما بعد لبناء المدارس.

الشيخ عبدالعزيز التركي يضع حجر الأساس لأول مدرسة متوسطة تبنيها أرامكو - الدمام 1960 

تعليم البنات

صدر الأمر الملكي الكريم من الملك سعود بن عبدالعزيز في يوم الخميس 20 من شهر ربيع الآخر عام 1379هـ ونشر في صحيفة أم القرى، وكان أول رئيس لتعليم البنات هو الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد، وأنشئت مندوبية المنطقة الشرقية عام 1380هـ، وعيّن الأستاذ علي بن إبراهيم الصقير مديرًا لها.


وقد تم افتتاح ثلاث مدارس ابتدائية بالمنطقة الشرقية، وكانت أول مدرسة هي المدرسة الابتدائية الأولى بالدمام التي تأسست عام 1380هـ/1960م.

في عام 1385هـ، انطلقت المرحلة المتوسطة في المنطقة الشرقية والتي بدأت بمدرستين في الدمام والقطيف بنسبة فصل واحد لكل مدرسة وعدد الطالبات لا يتجاوز 22 طالبة، وكانت فصولا ملحقة بمباني المدارس الابتدائية.


أما المرحلة الثانوية فبدأت عام 1391هـ بافتتاح ثلاث مدارس ثانوية بكل من الدمام والخبر والقطيف.

المراجع: مقالات عديدة في قافلة الزيت وفي جريدة اليوم، ومقالات للدكتور عبد الرحمن عبد الله الأحمري في مجلة الواحة.

ليست هناك تعليقات: