الثلاثاء، 10 يوليو 2018

التدريب في أرمكو




التدريب في أرامكو

نقل الإتقان والحرفية من الخبراء الأجانب إلى الكوادر السعودية


مشرف يعطي تدريباً في السباكة لموظفيه في مكان عملهم - عام 1952م
حسب خطة سنايدر (ساعة تدريب كل يوم)



م. يوسف الملا

يعتبر التدريب في شركة أرامكو تجربة ناجحة ونموذجًا رائدًا يحتذى به في تطوير الموارد البشرية، فإدارة صناعة الزيت وتشغيلها قد انتقل من الأمريكيين والخبراء الأجانب إلى المواطنين السعوديين في سنوات قليلة، وأصبح الموظفون السعوديون مهندسين وفنيين ومشغلين وإداريين في أكبر شركة عالمية لإمدادات الزيت الخام والمنتجات البترولية، وساهموا في بناء حضارة وطنهم من خلال رغبتهم في التعلّم والتطوّر وتطبيق خبراتهم ومهاراتهم في تأدية أعمالهم بإتقان واحترافية.

أول تدريب في العمل
يرجع تاريخ التدريب في أرامكو إلى بداية أعمال التنقيب عن الزيت، مع أنه كان مقصورًا على تدريب فردي يتلقاه الموظف مباشرة من رئيسه أثناء العمل؛ فمنذ حفر أول بئر للزيت في قبة الدمام في نوفمبر 1935م، قام رئيس فريق الحفر الأمريكي الجنسية بتدريب العاملين السعوديين معه وتوجيههم لأداء مهام محددة، واستمر التدريب على هذا النحو لبضع سنوات.

فريق الحفر في بئرالدمام رقم 7 عام 1937م

أول تدريب صناعي
في عام 1940م انطلق برنامج تدريب صناعي محدود في فصول دراسية لتعليم اللحام المعدني وتمديد الأسلاك الكهربائية، والمحاسبة، وكان التدريب فيها كل موظف على حدة، وفي نفس العام أرسلت الشركة 26 سعوديًا إلى البحرين في أول بعثة تدريبية خارج المملكة تشمل تشغيل معامل التكرير والمختبرات واللحام، وفي العام التالي أضيف إلى البرنامج الضرب على الآلة الكاتبة وتشغيل المخرطة، وحصل 50 موظفًا سعوديًا على تدريب خاص؛ 19 منهم في اللحام، و22 في الطباعة، و5 في تشغيل المخرطة، و2 في المحاسبة، وواحد في التمديدات الكهربائية.


مدرسة الحرفيين السعوديين
في عام 1947م، قررت الشركة بناء مدرسة الحرفيين السعوديين في رأس تنورة، فتم تشييد المبنى مقابل المكاتب الحكومية في رحيمة، واحتوى على غرف دراسية على الجانبين وورشة في الوسط، وغرفة معدات ومكتب، وتعتبر تلك هي أول مدرسة مخصصة للتدريب المهني وانطلاقة تحويل التدريب على المهارات من مكان العمل إلى الغرف الدراسية، حيث كان الموظفون يدرسون فيها النجارة واللحام وأعمال الصفائح المعدنية وتشغيل المعدات والأجهزة، كما تم تجهيز مدرسين سعوديين للقيام بالتدريب، وفي عام 1949م أنشئت مدرسة الحرفيين المتقدمة في الظهران.

المدارس الاختيارية
التدريب الصناعي العام هو أحد البرامج التدريبية التي بُدئت في عام 1950م، حيث يحضر الموظفون خلال دوامهم الرسمي ساعتين في اليوم لتعلّم اللغة الإنجليزية والحساب والعلوم والتدرّب على الرسم الهندسي والصحة المهنية وتطبيقات المكاتب، في مركز التدريب الصناعي العام GIT.
أما في المساء بين الساعة الخامسة والعاشرة، يمكن للموظفين الراغبين في الحضور إلى المركز من وقتهم الخاص حضور ما كان يُسمّى بالمدارس الاختيارية، وذلك لتقوية لغتهم الإنجليزية وزيادة معرفتهم في العلوم الأخرى، وكان أعلى حضور في منطقة رأس تنورة، ففي عام 1952م حضر أكثر من 24% من الموظفين اختيارياَ، ومما يستحق الفخر أن عددًا من الموظفين المتميزين كانوا يحضرون الفترتين الرسمية والاختيارية، ويستمرون إلى منتصف الليل لحل واجباتهم، وفي اليوم التالي يذهبون إلى دوامهم الساعة السابعة صباحًا، ومن أولئك الموظفين علي النعيمي وناصر العجمي.

مدرسة التدريب الصناعي في بقيق عام 1956م


برنامج التدريب الصيفي
في عام 1949، بدأت الشركة برنامج إرسال موظفين يعملون في السكرتارية أو التدريس أو مساعدة المهندسين إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لحضور دورة تدريبية مدتها 10 أسابيع، واستمر العمل في ذلك البرنامج حتى عام 1954م، وكان علي النعيمي أحد من حضروا ذلك البرنامج في عام 1953م وأظهر قدرات ذكاء في العلوم، ويذكر النعيمي أن حضوره تلك الدورة كان نقطة تحوّل في حياته العملية.

التدريب على الرئاسة والإدارة
في أوائل الخمسينيات، بدأت أرامكو بتطبيق برامج التدريب على الرئاسة والإدارة، وذلك بعقد دورات رئاسية وإدارية يشترك فيها موظفون يشغلون مناصب رئاسية، ويتلقون تدريبا نظريا وعمليا في مقومات القيادة، والتنظيم، والتخطيط، والاتصال، والتدريب، وشؤون الموظفين، والسلامة، ومتطلبات العمل، وأساليب الرئاسة، والسجلات والتقارير، كما تقوم الإدارات المختلفة بانتداب بعض المسؤولين فيها لشرح نظم إداراتهم على المتدربين، وإلقاء محاضرات تشمل مواضيع تتعلق بتنظيم إدارات الشركة.
وفي مطلع عام 1967م اتجهت أرامكو إلى حصر برنامج التدريب على الرئاسة والإدارة في دورة واحدة يتفرغ لها المتدرب مدة أربع أسابيع، وبدأت أرامكو في عام 1968م برنامجًا آخر لتدريب الموظفين على دراسة الأساليب الإدارية بإشراف أخصائيين في العلوم الاجتماعية من جامعة تكساس، ويتألف البرنامج من مرحلتين، يتلقى المشتركون في المرحلة الأولى تدريبًا عمليًا على حل المشاكل الإدارية المعقدة عن طريق إجراء سلسلة من التجارب المبنية على أسس علمية، وفي المرحلة الثانية يقومون بتطبيق ما تعلموه على مشاكل العمل الواقعية.

دورة إدارية في السبعينيات الميلادية



برنامج التدريب خارج المملكة
كان هذا التدريب لدى إحدى الشركات الصناعية الكبرى أو في المعاهد المهنية الخاصة أو الكليات والجامعات، ويلتحق به عادة الموظفون السعوديون الذين أحرزوا تفوقًا في مراكز وورش التدريب الصناعي، وكان لهم سجل ناجح في العمل، حيث يتبعون في برنامجًا تعليميًا في صناعة الزيت أو أساليب الإدارة العصرية أو المحاسبة أو الالكترونيات أو أعمال الحفر أو مكافحة الحرائق والسلامة، أو التخطيط لأعمال التكرير.



مرحلة جديدة
شهدت الخمسينيات الميلادية مرحلة جديدة في تدريب السعوديين، واقتضت الحاجة القيام ببرامج تدريب واسعة ومركزة لزيادة عدد الحرفيين السعوديين المهرة، لذا تم تعيين سنايدر في وظيفة المدير المسؤول عن تعليم السعوديين وتدريبهم، ليقود ذلك التغيير، فوضع في عام 1949 هدفًا واضحًا ومباشرًا، وهو تأهيل 50% من السعوديين ليصبحوا عمالًا مهرة أو شبه مهرة خلال خمس سنوات.

ساعة تدريب كل يوم
أدخلت خطة السنوات الخمس مفهومًا جديدًا في تدريب القوى العاملة في أرامكو، والمعروف بـ التدريب ثُمن الوقت، وتقضي هذه الخطة بتخصيص ساعة من كل ثماني ساعات في العمل، أي ساعة في اليوم، لتدريب الموظفين السعوديين، ووضعت المسؤولية عن محتوى التدريب وتنفيذه مباشرة على عاتق المشرف الذي يمكنه الاعتماد على خبرة المدربين المحترفين في الظهران عند الضرورة، كما دعت الخطة إلى الموازنة بين التدريب أثناء العمل والتعليم الصفي المتعلق بالعمل، الذي شكّل الأساس لبرنامج التدريب في أرامكو لسنوات قادمة.
بعد مرور خمس سنوات، لم يتم الوصول إلى الهدف الأسمى أي تأهيل 50% من القوى العاملة إلى موظفين شبه مهرة في خمس سنوات، لكن تم تجاوز أرامكو أهدافها من حيث عدد السعوديين الذين وصلوا إلى مستويات مهارة ودرجات وظيفية محددة.


منصة تنقيب تستعمل للتدريب في الظهران - الخمسينيات الميلادية


استراتيجية (السعودة)
يروي سنايدر أن ديوس نائب رئيس أرامكو ومديرها قال له حين قابله في الولايات المتحدة قبل قدومه إلى الظهران.
لقد قال لي بالحرف الواحد: مهمتك في الظهران هي تدريب السعوديين في أسرع وقت ممكن، وبالطريقة المثلى، على تشغيل صناعة الزيت السعودية، فما من شك في أن الحكومة السعودية ستقدم في نهاية المطاف على توطين هذه الصناعة، عندئذٍ نريد أن يكون الشباب السعودي قد اكتسب الكفاءة التي تتيح له إدارة صناعة الزيت بصورة فعالة، وهكذا يخدم هؤلاء الشباب بلدهم ومصالحها، وفي الوقت نفسه يحمون مصالح شركتنا الأم.
ويتابع سنايدر: عند وصولي إلى الظهران، وفي جميع السنوات التي تلت، وجدت أن هذه الفلسفة المستنيرة هي حجر الزاوية في علاقة أرامكو مع الحكومة السعودية.
كان أسلوب سنايدر في التدريب هو النسخة المبكرة لما أصبح يعرف فيما بعد بعملية (السعودة) أي تدريب السعوديين لتولي الوظائف العليا شيئًا فشيئًا داخل الشركة.

التدريب في الستينيات
في نهاية الخمسينيات الميلادية وبعد مراجعة لبرامج التدريب، أعلنت أرامكو في عام 1958م عن خطتها الجديدة للتدريب الصناعي، والتي اعتمدت على التدريب المهني والحِرفي الذي طبقته لبضع سنوات قبل عام 1949م، وبناء على ذلك قامت بتجهيز ورش تدريب صناعية ITS في الظهران ورأٍس تنورة وبقيق، بحيث يكون التدريب فيها متماشيًا مع التدريب الأكاديمي في مراكز التدريب الصناعي ITC، من حيث تنسيق مواد التدريس والمناهج، واشترطت للالتحاق بورش التدريب الصناعي إكمال سنوات محددة حسب التخصص في مراكز التدريب.

مراكز التدريب الصناعي ITC
قدمت مراكز التدريب الصناعي دروسًا في مواضيع نظرية وعملية، منها اللغتان العربية والإنجليزية، والرياضيات، والعلوم، والتاريخ، والجغرافيا، وتقنية البترول، والضرب على الآلة الكاتبة والمحاسبة بفروعها.
واحتوت تلك المراكز على مختبرات حديثة لتعليم اللغة الإنجليزية وأخرى لتعليم الضرب على الآلة الكاتبة، وقاعات لإجراء الاختبارات الفيزيائية والكيميائية، وقاعات لعروض الأفلام العلمية والثقافية، كما تضم مكتبات مزودة بالمراجع الأدبية والعلمية والثقافية.

   مركز التدريب الصناعي في الظهران 1962م



ورش التدريب الصناعي ITS
منذ بداية الستينيات الميلادية، أصبحت ورش التدريب الصناعي مؤسسات تثقيفية في غاية الأهمية لدعم خطة الشركة في التدريب المهني والحرفي، حيث يتلقى الملتحقون بها دروسًا نظرية وعملية في كيفية صيانة الآلات وتشغيلها، وفي الكهرباء العملية، وتشغيل المعامل، وقراءة الخرائط الهندسية ورسمها، والميكانيكا العامة، وميكانيكا السيارات، وأسس المهارة الفنية، وصيانة الأجهزة الالكترونية، وتشغيل أجهزة المراقبة والضبط وصيانتها وإصلاحها.

ورشة التدريب الصناعي في الظهران عام 1960م

مدرسة التمريض
في عام 1948م ابتدأ برنامج التدريب للممرضين السعوديين في الظهران، وبعد ثلاث سنوات تخرّجت أول دفعة مكونة من 9 ممرضين سعوديين وحصلت على دبلوم التمريض التطبيقي، وبعد الانتهاء من الدبلوم ابتعث عدد من الممرضين التطبيقيين إلى مستشفى كينيدي ميموريال في طرابلس لبنان لحضور تدريب لمدة 18 شهرًا لينالوا بعدها شهادة التمريض الدولية، وفي عام 1951م تخرّج ثلاثة ممرضين كأول ممرضين وهم طاهر عبدالله، سعد عبدالكريم وإبراهيم عبدالعزيز.


 أول دفعة من خريجي مدرسة أرامكو للممرضين السعوديين بالظهران يحصلون على الدبلوم - 1951م

مدرسة التدريب على السياقة
افتتحت أرامكو أول مدرسة رسمية لتعليم السياقة عام 1944م في رأس تنورة أثناء إنشاء مصفاة التكرير، وكانت تشتمل على دراسة واختبارات نظرية وتطبيقية، وفي عام 1947م انتقلت تلك المدرسة إلى الظهران، ومن خلال تدريب موظفيها الذين بدورهم يقومون بتدريب أصدقائهم ومعارفهم وكانوا قدوة في الالتزام بالسياقة الآمنة، ساهمت أرامكو في نشر ثقافة راقية في قيادة السيارات في المنطقة الشرقية.


مدرسة التدريب على القيادة في الظهران

تدريب عمال المقاولين
لم يقتصر تدريب أرامكو على موظفيها، ففي عام 1953م افتتحت الشركة مدرسة التدريب المهني لعمال المقاولين، مساعدة منها لسد النقص في الأيدي العاملة من ذوي الكفاءات الفنية خارج الشركة وخصوصا في مجال أعمال اللحام، إضافة إلى تنمية الصناعات المحلية المختلفة، من خلال تدريب عمال سعوديين يتقنون المهن المطلوبة.
كانت أرامكو تهدف أيضًا إلى تشجيع هؤلاء المقاولين كي يصبحوا قادرين على القيام بأعباء الأعمال المساندة التي تحتاجها الشركة، وتتفرغ هي لأعمال صناعة الزيت التي هي مهمة الشركة الأساسية وغايتها الرئيسية، وكان التدريب يشمل أقسامًا لأعمال اللحام، وأعمال النجارة، وأعمال الصفائح المعدنية، وأعمال السباكة، وأعمال الكهرباء.


ليست هناك تعليقات: